فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والحرمان من الاهتداء مع ذلك التكرر أعجب.
فجملة: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ} تفريع على جملة: {مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} مع ما طوي فيها.
وفي هذا التفريع بيان لسبب عدم انتفاعهم بسماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وتسلية له وتعليم للمسلمين، فقُربت إليهم هذه الحالة الغريبة بأن أولئك المستمعين بمنزلة صُم لا يعقلون في أنهم حُرموا التأثر بما يسمعون من الكلام فساووا الصم الذين لا يعقلون في ذلك، وهذه استعارة مصرحة إذ جعلهم نفس الصم.
وبُني على ذلك استفهام عن التمكن من إسماع هؤلاء الصم وهدي هؤلاء العمي مع أنهم قد ضموا إلى صَممهم عدم العقل وضموا إلى عَماهم عدم التبصر.
وهذان الاستفهامان مستعملان في التعجيب من حالهم إذ يستمعون إلى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعقلونها، وإذ ينظرون أعماله وسِيرته ولا يهتدون بها، فليس في هذين الاستفهامين معنى الإنكار على محاولة النبي إبلاغهم وهديهم لأن المقام ينبُو عن ذلك.
وهذه المعاني المجازية تختلف باختلاف المقام والقرائن، فلذلك لم يكن الاستفهامان إنكارًا، ولذلك لا يتوهم إشكال بأن موقع (لو) الوصلية هنا بعدما هو بمعنى النفي بحيث تنتقض المبالغة التي اجتلبت لها (لو) الوصلية، بل المعنى بالعكس.
وفي هذين الاستفهامين ترشيح لاستعارة الصم والعمي لهؤلاء الكافرين، أي أن الله لما خلق نفوسهم مفطورة على المكابرة والعناد وبغضاء من أنعم الله عليه وحسده كانت هاته الخصال حوائل بينهم وبين التأثر بالمسموعات والمبصرات فجيء بصيغة الاستفهام التعجيبي المشتملة على تقَوّي الخبر بتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي بقوله: {أفأنت تسمع} وقوله: {أفأنت تهدي} دون أن يقال: {أتسمع الصم} و: {أتهدي العمي}، فكان هذا التعجيب مؤكدًا مقوى.
و(لو) في قوله: {ولو كانوا لا يعقلون} وقوله: {ولو كانوا لا يبصرون}، وصلية دالة على المبالغة في الأحوال، وهي التي يكون الذي بعدها أقصى ما يعلق به الغرض.
ولذلك يقدرون لتفسير معناها جملة قبل جملة (لو) مضمونها ضِد الجملة التي دخلت عليها (لو)، فيقال هنا: أفأنت تسمع الصم لَوْ كانوا يعقلون بل ولو كانوا لا يعقلون.
ولما كان الغرض هنا التعجيب من حالهم إذ لم يصلوا إلى الهدى كان عدم فهمهم وعدم تبصرهم كناية عن كونهم لا يعقلون وكونهم لا بصائر لهم.
فمعنى: {لا يعقلون} ليس لهم إدراك العقول، أي ولو انضم إلى صممهم عدم عقولهم فإن الأصم العاقل ربما تفرس في مخاطَبِه واستدل بملامحه.
وأما معنى: {لا يبصرون} فإنهم لا بصيرة لهم يتبصرون بها.
وهو الذي فسر به الكشاف وهو الوجه، إذ بدونه يكون معنى: {لا يبصرون} مساويًا لمعنى العمى فلا تقع المبالغة بـ (لو) الوصلية موقعها، إذ يصير أفأنت تهدي العمي ولو كانوا عميًا.
ومقتضى كلام الكشاف أنه يقال: أبصر إذا استعمَل بصيرته وهي التفكير والاعتبار بحقائق الأشياء. وكلامُ الأساس يحوم حوله.
وأيًّا ما كان فالمراد بقوله: {لا يبصرون} معنى التأمل، أي ولو انضم إلى عَمى العُمي عدم التفكير كما هو حال هؤلاء الذين ينظرون إليك سواء كان ذلك مدلولًا لفعل: {يبصرون} بالوضع الحقيقي أو المجازي.
فبهذا النظم البديع المشتمل على الاستعارة في أوله وعلى الكناية في آخره وعلى التعجيب وتقويته في وسطه حصل تحقيق أنهم لا ينتفعون بأسماعهم ولا بأبصارهم وأنهم لا يعقلون ولا يتبصرون في الحقائق.
وقد علم أن هذه الحالة التي اتصفوا بها هي حالة أصارَهم الله إليها بتكوينه وجعلها عقابًا لهم في تمردهم في كفرهم وتصلبهم في شركهم وإعراضهم عن دعوة رسوله ولذلك جعلهم صمًا وعميًا.
فليس المعنى أن الله هو الذي يسمعهم ويهديهم لا أنت لأن هذا أمر معلوم لا يحتاج للعبارة.
وقد أورد الشيخ ابن عرفة سؤالًا عن وجه التفرقة بين قوله: {من يستمعون} وقوله: {من يَنظر} إذ جيء بضمير الجمع في الأول وبضمير المفرد في الثاني.
وأجاب عنه بأن الإسماع يكون من الجهات كلها وأما النظر فإنما يكون من الجهة المقابلة.
وهو جواب غير واضح لأن تعدد الجهات الصالحة لأحد الفعلين لا يؤثر إذا كان المستمعون والناظرون متحدين ولأن الجمع والإفراد هنا سواء لأن مفاد (مَن) الموصولة فيهما هو من يصدر منهم الفعل وهم عدد وليس الناظر شخصًا واحدًا.
والوجه أن كلا الاستعمالين سواء في مراعاة لفظ (من) ومعناها، فلعل الابتداء بالجمع في صلة (مَن) الأولى الإشارة إلى أن المراد بـ (من) غير واحد معيَّن وأن العدول عن الجمع في صلة (من) الثانية هو التفنن وكراهية إعادة صيغة الجمع لثقلها لاسيما بعد أن حصل فهم المراد، أو لعل اختلاف الصيغتين للمناسبة مع مادة فعلي (يستمع) و(ينظر). ففعل (ينظر) لا تلائمه صيغة الجمع لأن حروفه أثقل من حروف (يَستمع) فيكون العدول استقصاء لمقتضى الفصاحة. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ}
وكلمة: {مَنْ} تطلق وقد يراد بها المفرد، وقد يراد بها المفردة، وقد يراد بها المثنى، وقد يراد بها الجمع، ومرة يطابق اللفظ فيقول سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الأنعام: 25].
ومرة يقصد المعنى فيقول: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ} [يونس: 42]. لأن: {مَّن} صالحة للموقعين.
والسماع كما نعلم هو استقبال الأذن للصوت، فإن كان صوتًا مُبْهمًا كأصوات الحيوانات أو أصوات الأعواد، فهذه الأصوات لا تفيد إلا ما تفيده النغمة في الجسم من هزة أو ارتجاج.
وإما أن يكون الصوت له معنى تواضُعيٌّ، كاللغات المختلفة التي يتخاطب بها الناس في البلدان المختلفة، فإن تكلمتَ بالإنجليزية في بلد يتكلم أهله بهذه اللغة فهموك وفهمت عنهم. هذا هو معنى التواضع في اللغة، أي: أن المتكلم والسامع على درجة. واحدة من الاتفاق على اللغة.
والنبي صلى الله عليه وسلم عربي يتحدث بلسان عربي مبين لقوم من العرب، فما العائق عن السمع إذن؟
إن العائق عن السمع نفض الأذن لما يأتي من جهة الخصم، والسماع كما نعلم هو استشراف المخاطب إلى ما يفهم من المتكلم، فإن لم يوجد عند المخاطب استشراف إلى أن يسمع، فالكلام يُقال ولا يصل.
إذن: لابد للسامع من حالة الاستشراف إلى فهم ما يقوله المتكلم. وكما يقول المثل: أذن من طين وأخرى من عجين. أو كما تقول المزحة أن واحدًا مال على أذن صديق له وقال: أريد أن أقول لك سِرًا فاقترب الصديق مستشرفًا سماع السر، فقال الرجل: أريد مائة جنيه كقرض؛ فقال الصديق: كأني لم أسمع هذا السر.
إذن: فالكلام ليس مجرد صوت يصل إلى الأذن، لكن لابد من استشراف نفسي للتقلي. وهم لا يملكون هذا الاستشراف؛ لذلك قال الحق سبحانه: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم} [يونس: 42] أي: كان سمعهم لا يسمع.
ومثال ذلك: أننا نجد المدرس الذي يشرح الدرس للتلاميذ، وبين التلاميذ من يستشرف السمع؛ ولذلك يفهم الدرس، أما الذي لا يستشرف فكأنه لم يسمع الدرس.
وهم قد فاتوا الصُّمَّ؛ لأن الأصم قد يفهم بالحركة او الإشارة أو لغة العين، ولكن هؤلاء لا يسمعون ولا يعقلون: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ} [يونس: 42].
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ}
والرؤى أيضًا تحتاج إلى استشراف، وأن يُقْبِل المرء على ما يريد أن يراه، وأحيانًا لا يكون الرائي مستشرفًا؛ لأن قلبه غير متجه للرؤية.
وسئُل واحد: إنك تقول: من رأى فلانًا الصالح يَهْده الله. فردَّ عليه السامع متسائلًا: كيف تقول ذلك؟! فردَّ القائل: لقد رأى أبو جهل خيرًا من هذا، ومع ذلك ظل كافرًا. فردَّ السامع: إن أبا جهل لم يَرَ محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه رأى يتيم أبي طالب.
وهكذا شرح الرجل أن أبا جهل لم ينظر إلى محمد صلى الله عليه وسلم على أنه رسول؛ لأنه لو نظر إليه بهذا الإدراك لتسللت إليه سكينة الإيمان وهَيبة الخشوع وجلال الورع.
ونحن قد نلقى رجلًا صالحًا في بشرته أدْمة أو سواد، وصلاحه يضيء حوله، وله أسْر من التقوى، وجاذبية الورع.
ولو أن أبا جهل رأى محمدًا صلى الله عليه وسلم على أنه رسول لتغيَّر أمره. وهاهو فضالة يحكى عن لحظة أراد فيها أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما اقترب منه؛ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماذا كنت تحدِّث به نفسك؟» قال: لا شيء، كنت أذكر الله. قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «استغفِر الله»، ثم وضع يده على صدر فضالة.
وساعة سمع فضالة هذا، ورأى محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو يقول ذلك القول، قال: ما كان أبغض إليَّ من وجهه، ولكني أقبلت عليه فما كان أحَبَّ إليَّ في الأرض كلها من وجهه.
هذا هو السماع، وهذا هو البصر، وكلاهما السمع والبصر أكرم المتعلقات وأشرفها؛ لأن السمع هو وسيلة الاستماع لبلاغ الله عنه، والإنسان قبل أن يقرأ لابد له من أن يكون قد سمع.
والمقصود هنا بالعمى في قول الحق سبحانه: {أَفَأَنْتَ تَهْدِي العمي وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ} [يونس: 43] هو عمى البصيرة. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}
المعنى: ليس الأمر كما قالوا في أنه مفترى: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه}، وهذا اللفظ يحتمل معنيين: أحدهما أن يريد بها الوعيد الذي توعدهم الله عز وجل على الكفر، وتأويله على هذا يراد به ما يؤول إليه أمره كما هو في قوله: {هل ينظرون إلا تأويله} [الأعراف: 53]، والآية بجملتها على هذا التأويل تتضمن وعيدًا، والمعنى الثاني أنه أراد بل كذبوا بهذا القرآن العظيم المنبئ بالغيوب الذي لم تتقدم لهم به معرفة ولا أحاطوا بعلم غيوبه وحسن نظمه ولا جاءهم تفسير ذلك وبيانه، و: {الذين من قبلهم} يريد من سلف من أمم الأنبياء، قال الزجّاج: {كيف} في موضع نصب على خبر: {كان} ولا يجوز أن يعمل فيها انظر لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه.
قال القاضي أبو محمد: هذا قانون النحويين لأنهم عاملوا كيف في كل مكان معاملة الاستفهام المحض في قولك: كيف زيد ول كيف تصرفات غير هذا، وتحل محل المصدر الذي هو كيفية وتخلع معنى الاستفهام، ويحتمل هذا أن يكون منها ومن تصرفاتها قولهم: كن كيف شئت، وانظر قول البخاري: كيف كان بدء الوحي فإنه لم يستفهم وذكر الفعل المسند إلى العاقبة لما كانت بمعنى المآل ونحوه وليس تأنيثها بحقيقي، وقوله تعالى: {ومنهم من يؤمن به} الآية، الضمير في: {منهم} عائد على قريش، ولهذا الكلام معنيان قالت فرقة: معناه من هؤلاء القوم من سيؤمن في المستقبل ومنهم من حتم الله أنه لا يؤمن به أبدًا، وقالت فرقة: معناه من هؤلاء القوم من هو مؤمن بهذا الرسول إلا أنه يكتم إيمانه وعلمه بأن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإعجاز القرآن حق، حفظًا لرياسته أو خوفًا من قومه، كالفتية الذين خرجوا إلى بدر مع الكفار فقتلوا فنزل فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] وكالعباس ونحو هذا، ومنهم من ليس بمؤمن.
قال القاضي أبو محمد: وفائدة الآية على هذا التأويل التفرق لكلمة الكفار، وإضعاف نفوسهم، وأن يكون بعضهم على وجل من بعض، وفي قوله: {وربك أعلم بالمفسدين}، تهديد ووعيد، وقوله: {وإن كذبوك}، آية مناجزة لهم ومتاركة وفي ضمنها وعيد وتهديد، وهذه الآية نحو قوله: {قل يا آيها الكافرون} [الكافرون: 1] إلى آخر السورة، وقال كثير من المفسرين منهم ابن زيد: هذه الآية منسوخة بالقتال لأن هذه مكية، وهذا صحيح، وقوله تعالى: {ومنهم من يستمعون إليك}، جمع: {يستمعون} على معنى: {من} لا على لفظها، ومعنى الآية: ومن هؤلاء الكفار من يستمع إلى ما يأتي به من القرآن بإذنه ولكنه حين لا يؤمن ولا يحصل فكأنه لا يسمع، ثم قال على وجه التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم: أفأنت يا محمد تريد أن تسمع الصم.
أي لا تكترث بذلك، وقوله: {ولو كانوا لا يعقلون} معناه: ولو كانوا من أشد حالات الأصم، لأن الأصم الذي لا يسمع شيئًا بحال، فذلك لا يكون في الأغلب إلا مع فساد العقل والدماغ فلا سبيل أن يعقل حجة ولا دليلًا أبدًا،: {ولو} هذه بمعنى إن وهذا توقيف للنبي صلى الله عليه وسلم أي ألزم نفسك هذا، وقوله: {ومنهم من ينظر إليك} الآية، هي نحو الأولى في المعنى، وجاء: {ينظر} على لفظ: {من}، وإذا جاء الفعل على لفظها فجائز أن يعطف عليه آخر على المعنى، وإذا جاء أولًا على معناها فلا يجوز أن يعطف آخر اللفظ، لأن الكلام يلبس حينئذ، وهذه الآية نحو الأولى في المعنى كأنه قال: ومنهم من ينظر إليك ببصره لكنه لا يعتبر ولا ينظر ببصيرته، فهو لذلك كالأعمى فهون ذلك عليك، أفتريد أن تهدي العمي، والهداية أجمع إنما هي بيد الله عز وجل. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله تعالى: {مَّن يَسْتَمِعُونَ}: مبتدأ وخبرهُ الجار قبله وأعاد الضميرَ جمعًا مراعاة لمعنى: {مَنْ}، والأكثرُ مراعاةُ لفظه كقوله: {وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ}: قال ابن عطية: {جاء} ينظر على لفظ مَنْ، وإذا جاء على لفظها فجائز أن يعطف عليه آخرُ على المعنى، وإذا جاء أولًا على معناها فلا يجوز أن يُعْطَفَ آخرُ على اللفظ لأنَّ الكلامَ يُلْبَسُ حينئذ. قال الشيخ: وليس كما قال، بل يجوز أن تراعيَ المعنى أولًا فتعيدَ الضميرَ على حسبِ ما تريد من المعنى مِنْ تأنيثٍ وتثنية وجمعٍ، ثم تراعي اللفظَ فتعيدُ الضميرَ مفردًا مذكرًا، وفي ذلك تفصيلٌ ذُكر في النحو، قلت: قد تقدَّم تحريره أولَ البقرة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآيتين:
قال عليه الرحمة:
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42)}
من استمع بتكلفه ازداد في تَخَلُّفِه بزيادة تصرفه، ومَنْ استمع الحقَّ بتَفَضُّلِه- سبحانه- استغنى في إدراكه عن تَعَمُّلِه. والحقُّ- سبحانه- يُسْمِعُ أولياءَه ما يناجيهم به في أسرارهم، فإذا سمعوا دعاء الواسطة قابلوه بالقبول لِمَا سَبَقَ لهم من استماع الحقِّ. ومَنْ عَدِمَ استماعَ الحقِّ إياه من حيث التفهيم لم يَزِدْه سماعُ الخَلْقِ إلا جحَدًا على جحد، ولم يحْظَ به إلا بُعْدًا على بُعْد.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)}
مَنْ سُدَّتْ بصيرتُه بالغفلة والغيبة لم يَزدْه إدراكُ البَصَرِ إلا حجبةً على حجية، ومَنْ لم ينظر إلى الله بالله، ولم يسمع من الله بالله، فقصاراه العمى والصمم،: {فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى القُلُوبُ التي في الصُّدُورِ} [الحج: 46] وقال عليه السلام فيما أخبر عن الله: «فبي يسمع وبي يبصر». وأنشد قائلهم:
تأمَّلْ بعين الحقِّ إنْ كنتَ ناظرًا ** إلى منظرٍ منه إليه يعود

.اهـ.